Saturday, December 30, 2017
Thursday, December 28, 2017
Sunday, December 24, 2017
Saturday, December 23, 2017
Thursday, December 21, 2017
Tuesday, December 19, 2017
Monday, December 18, 2017
Sunday, December 17, 2017
Saturday, December 16, 2017
Wednesday, December 13, 2017
Tuesday, December 12, 2017
Saturday, December 9, 2017
Wednesday, December 6, 2017
Monday, December 4, 2017
Saturday, December 2, 2017
Friday, December 1, 2017
Tuesday, November 28, 2017
Sunday, November 26, 2017
Wednesday, November 22, 2017
Tuesday, November 21, 2017
Sunday, November 19, 2017
Saturday, November 18, 2017
Friday, November 17, 2017
Wednesday, November 15, 2017
Sunday, November 12, 2017
Saturday, November 11, 2017
Friday, November 10, 2017
Tuesday, November 7, 2017
Sunday, November 5, 2017
Saturday, November 4, 2017
Friday, November 3, 2017
Thursday, November 2, 2017
Wednesday, November 1, 2017
Monday, October 30, 2017
Sunday, October 29, 2017
Friday, October 27, 2017
Thursday, October 26, 2017
Wednesday, October 25, 2017
Tuesday, October 24, 2017
Monday, October 23, 2017
Friday, October 20, 2017
Wednesday, October 18, 2017
Sunday, October 15, 2017
Saturday, October 14, 2017
Tuesday, October 10, 2017
Monday, October 9, 2017
Sunday, October 8, 2017
Wednesday, October 4, 2017
Sunday, October 1, 2017
Tuesday, September 26, 2017
Monday, September 25, 2017
Sunday, September 24, 2017
Saturday, September 23, 2017
Tuesday, September 19, 2017
Monday, September 18, 2017
Sunday, September 17, 2017
Tuesday, September 12, 2017
Monday, September 11, 2017
Sunday, September 10, 2017
Saturday, September 2, 2017
Friday, September 1, 2017
Sunday, August 27, 2017
Saturday, August 26, 2017
Tuesday, August 22, 2017
Monday, August 21, 2017
Sunday, August 20, 2017
Saturday, August 19, 2017
Tuesday, August 15, 2017
Monday, August 14, 2017
Saturday, August 12, 2017
Wednesday, August 9, 2017
Tuesday, August 8, 2017
Monday, August 7, 2017
Saturday, August 5, 2017
Tuesday, August 1, 2017
Monday, July 31, 2017
Saturday, July 29, 2017
Thursday, July 27, 2017
Monday, July 24, 2017
جواب سؤال: دلالات التقارب الأمريكي الفرنسي!
جواب سؤال: دلالات التقارب الأمريكي
الفرنسي!
السؤال: عاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب
مجدداً، الخميس، إلى الكلام عن زيارته الأخيرة إلى فرنسا... (وقال ترامب في مقابلة
مع صحيفة "نيويورك تايمز" إن ماكرون "شخص ممتاز، ذكي وقوي، ويحب أن
يمسك يدي"، مضيفاً أن "الناس لا يدركون إلى أي حد يحب أن يمسك بيدي...)
(العربية دوت نت - واشنطن فرانس برس، 2017/07/20)، وكان الرئيس ترامب قد زار باريس
في 2017/7/13م، واستقبله الرئيس الحالي ماكرون بحفاوة في حين إن الرئيس الفرنسي
السابق هولاند كان قد أظهر امتعاضه من الرئيس الأمريكي، وكذلك كانت تكال الاتهامات
بشكل كثيف للرئيس ترامب من القادة الأوروبيين! فما دلالات هذا التقارب الأمريكي
الفرنسي وأهداف زيارة ترامب لباريس؟ ثم هل من انعكاس لهذه الزيارة على الأوضاع في
سوريا؟ خاصة وأن الرئيس الفرنسي ماكرون يتحدث عن استراتيجية فرنسية أمريكية جديدة
في سوريا؟
الجواب: إن تخبط ترامب في السياسة الدولية قد
كانت له نتائج مضطربة لافتة للنظر، فمثلاً تلك التصريحات الصادمة الصادرة عنه
بخصوص الجدوى من حلف الأطلسي التي أدت إلى ردات فعل قاسية ضد السياسة الأمريكية
كان أشهرها تلك الصادرة من برلين... ثم إن ترامب لم يخف أثناء حملته الانتخابية
وبعد تنصيبه رئيساً 2017/1/20 حنقه من الاتحاد الأوروبي، ومدح استفتاء بريطانيا
بريكست، وتوقع سفير أمريكا المرشح لدى بروكسل بقرب تفكك الاتحاد الأوروبي، ووقفت
أمريكا تنتظر الانتخابات الهولندية والفرنسية على أمل أن يفوز فيها المناهضون
للاتحاد الأوروبي، فيتحقق تفكيك الاتحاد خلال 2017. وهذا ما وقفت أوروبا بالمرصاد
ضده، فنجحت في منع تأثير الدومينو البريطاني على هولندا وفرنسا، وبذلك أبعدت شبح
تفكيك اتحادها... ثم ما زاد تخبطه في السياسة الدولية هو تراجعه عن قراراته،
فتقلبات رؤية ترامب من حلف الناتو كحلف عفا عليه الزمن حسب وصفه ثم يتراجع علناً
عن تلك المواقف، وانسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، ثم عرضه التفاوض عليها من
جديد، ووقوفه على حافة الحرب مع كوريا الشمالية، ثم التراجع إلى الخلف، ونظرته
السلبية إلى الصين، ثم الوقوف معها بانتظار نتيجة تحرزها في ملف كوريا الشمالية،
وتصريحاته القوية على الساحة السورية، ثم ترك الأمور على غاربها في أستانة
وجنيف...
وكذلك اضطراب وضعه الداخلي وبخاصة ما
أثارته المعارضة لسياسته حول موضوع دعم روسيا له خلال الانتخابات... وقد نتج عن
هذه المشاكل وتلك المعارضة أن أصبحت اتصالات الرئيس وأفراد إدارته بروسيا مسألة
عالية الحساسية في أمريكا، وهذا الوضع لم يساعد الرئيس في إنجاز الاتفاق الروسي
الأمريكي، فتأخر الاتفاق، ولم يعقد ترامب مع الرئيس الروسي إلا اجتماعاً واحداً
فقط على هامش قمة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية 2017/7/7، بل وأصبحت
العلاقات الأمريكية الروسية أكثر تعقيداً في وقتٍ يفرض فيه الكونغرس عقوبات إضافية
على روسيا، بالإضافة إلى تزايد التقارير الأمريكية عن تدخل روسيا في الانتخابات
بما يزيد من حرج الرئيس داخلياً، ناهيك عن حرجه في أن يمضي في ترميم علاقات بلاده
مع موسكو...
كل ذلك جعل خلخلة في السياسة الدولية بين
أمريكا وبين دول الاتحاد الأوروبي، وترددت هذه الخلخلة بين الإيجاب وبين السلب وفق
مصالح هذه الدول وقدرتها على استغلال الوضع الجديد في السياسة الأمريكية، وسنستعرض
مواقف هذه الدول ذات العلاقة تجاه سياسة ترامب وبعد ذلك نتطرق إلى دلالات الموقف
الفرنسي الذي أدى إلى دعوة ترامب لزيارة باريس واستقباله بحفاوة:
1- أما بريطانيا فقد كانت زيارة رئيسة
الوزراء البريطانية تيريزا ماي المبكرة لواشنطن 2017/1/26، وتهافتها لتوقيع
اتفاقية تجارية مع واشنطن تكون نموذجاً لباقي دول الاتحاد لتشجيع خروجها منه.
وهكذا أعادت بريطانيا التصاقها بأمريكا واستبشرت كثيراً بإدارة ترامب، ولكن بعد
ضمور الآمال الأمريكية بتفكيك الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي تجلى بفوز المؤيدين
لأوروبا في انتخابات هولندا وفرنسا، فقد تراجعت نظرة ترامب الإيجابية لبريطانيا،
إذ كان يريدها أن تقود مسيرة تفكيك أوروبا، ولما لم يتكرر بريكست لندن في باريس
وأمستردام، فقد عادت أمريكا أدراجها تقضم من المصالح الدولية لبريطانيا بشكل شكَّل
صدمةً في لندن، فأمريكا تدفع بعميلها السيسي للمزيد من دعم حفتر دون اعتبار
للمصالح البريطانية في ليبيا، ودفعت أمريكا عملاءها بشكل شبه صادم للضغط على قطر،
التي تمثل رأس حربة بريطانيا في المنطقة العربية والإسلامية، وبهذا وغيره فقد
ارتبكت سياسة بريطانيا وفقدت ثقتها بأمريكا ترامب، لتجد نفسها بين مطرقة أمريكا من
ناحية وسندان أوروبا التي تفاوض لمغادرة اتحادها من ناحية أخرى، وأمام هذه الشكوك
العريضة فقد أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية عن انتخابات مبكرة، وكان ذلك مفاجئاً
حتى لأعضاء حكومتها، وبتلك النتيجة المبرمجة لما أفرزته انتخابات 2017/6/8 فقد تأرجحت
بريطانيا بين مغادرة الاتحاد الأوروبي أو العودة إليه، إذ إن الانتخابات قد أظهرت
أن مؤيدي الخروج في ضعف متزايد بما يعزز احتمال البقاء إن لم تنتج مفاوضاتها مع
بروكسل اتفاقاً يرضيها. وبهذا يتضح كيف أربكت السياسة الأمريكية الجديدة بريطانيا.
2- وعلى جانب أكثر أهمية، وهو الجانب الروسي،
فقد كانت التوجهات الأوروبية متوافقة مع تلك الأمريكية بعد ضم روسيا للقرم سنة
2014 وإشعالها لشرق أوكرانيا، فكانت العقوبات الأمريكية والأوروبية تنم عن توافق
الرؤى بينهما بخصوص ما يتخوف منه الأوروبيون من هدم بوتين للحدود في شرق أوروبا،
لكن ترامب ومنذ حملته الانتخابية كان ينتقد تلك العقوبات ويتوعد ببناء علاقات
حميمة مع روسيا، الأمر الذي أربك أوروبا بوضعها وحدها في مواجهة صعود روسيا
الجديد. وعلى الرغم من إدراك قادة أوروبا بأن أمريكا أثناء إدارة أوباما هي من سمح
بصعود روسيا، خاصة بعد إشراكها في الحرب السورية، إلا أن ترامب قد هدد بالمضي
بعيداً في الاتفاق الثنائي مع روسيا في القضايا العالمية بما قد يقضي على الآمال
الأوروبية بأن يكون لها دور في الأزمات الدولية.
3- وأما ألمانيا فقد كانت توجهاتها حاسمة في
مناهضة سياسة أمريكا الجديدة، فرفضت الانتقادات الأمريكية لدول الناتو الأوروبية،
واستهجنت أن تكون ألمانيا وأوروبا مدينة لأمريكا في مسائل الدفاع، واستنكرت خروج
أمريكا من اتفاقية المناخ ورفضت أي تفاوض جديد بشأنها، وانتقدت اتفاقيات التسلح
التي عقدها ترامب مع السعودية معتبرة إياها صباً للزيت على النار في منطقة ملتهبة،
وظلت كذلك رغم ظهور تغيير في الموقف الفرنسي، فوفق بث مسائية دوتشيه فيلية
الألمانية (فإن مواقف المستشارة الألمانية ميركل كانت قاسية باتجاه الرئيس
الأمريكي أثناء قمة العشرين في ألمانيا، إلا أن الرئيس الفرنسي كان حريصاً على عدم
إغضاب ترامب...) (دوتشيه فيلية الألمانية، 2017/7/14). وبالمجمل يمكن القول بأن
ألمانيا قد زادت وبشكل كبير من محاولاتها لإحياء ألمانيا كدولة عظمى، كل ذلك على
وقع السياسات الأمريكية الجديدة.
4- بعد ذلك نتطرق إلى معرفة دلالات زيارة
ترامب لفرنسا وما يظهر من تقارب أمريكي فرنسي... وإلى أهداف فرنسا من دعوة الرئيس
الأمريكي ترامب لزيارتها ومشاركتها عيدها الوطني 2017/7/13، وإبراز ما سمته فرنسا
الذكرى المئوية لمشاركة أمريكا في الحرب العالمية الأولى، وهذا حدث قديم يندر أن
تقام بمناسبته احتفالات إلا لمرامٍ محددة. ففي الوقت الذي كان يقوم فيه الرئيس
الأمريكي ترامب بتوتير العلاقات مع أوروبا كلها، فقد وجهت فرنسا له الدعوة
للمشاركة في عيدها الوطني! ذكر موقع صحيفة إيلاف (وكان ماكرون جدد الثلاثاء خلال
اتصال هاتفي مع ترامب دعوته الأخير إلى زيارة فرنسا والمشاركة في العيد الوطني.
ووجه ماكرون الدعوة لترامب المرة الأولى خلال قمة للحلف الأطلسي في نهاية
أيار/مايو الماضي في بروكسل...) (موقع صحيفة إيلاف 2017/6/28). وفي قمة العشرين
المنعقدة أخيراً في ألمانيا 2017/7/7 أحاطه الرئيس الفرنسي ماكرون بدفء يفك عزلته
التي ظهر فيها بين القادة خاصة الأوروبيين، الذين وجهوا لأمريكا انتقادات قاسية
خاصة بسبب انسحابها من اتفاقية المناخ، حتى إن ترامب نفسه فوجئ بدعوة ماكرون له في
هذا الجو (وقال ترامب إنه "تفاجأ" بتلقيه هذه الدعوة بعد قراره الانسحاب
من اتفاقية باريس حول المناخ التي وقعتها 195 دولة عام 2014...) (العربية دوت نت،
2017/07/20م).
5- وأما أهداف هذا التوجه الفرنسي الجديد
فإنه يجب التأكيد على أن فرنسا، وهي قطب الرحى في الاتحاد الأوروبي كانت من أشد
الدول الأوروبية انتقاداً لترامب، وتخوفاً من أثر سياسته على العلاقات الأمريكية
الأوروبية، ولم يكن ذلك خاصاً بالرئيس الفرنسي السابق هولاند، بل إن الرئيس
الفرنسي الحالي ماكرون كذلك وجه انتقادات كبيرة لترامب منذ حملته الانتخابية وحتى
وقت قريب. وهذه الانعطافة الفرنسية باتجاه أمريكا قد برزت منذ أسابيع فقط، وظهرت
بشكل جلي في دعوة الرئيس الأمريكي ترامب لفرنسا واستقباله بحفاوة كبيرة وإحاطته
بهالة من الاحترام... وبدراسة هذه الانعطافة يترجح أن لها بعدين لا يقل أحدهما
أهمية عن الآخر:
- أما البُعد الأول فهو يتعلق بالبعد السوري
لتلك الانعطافة الفرنسية، فبعد أن أعلن ماكرون (أنه لا يرى بديلاً شرعياً لبشار،
وأن فرنسا لم تعد ترى رحيل بشار شرطاً للتسوية...) (رويترز، 2017/6/21)، قال
ماكرون بعدها وقبيل استقباله الرئيس الأمريكي (غيرنا عقيدة فرنسا حول سوريا للوصول
إلى حل سياسي شامل، ولن نضع رحيل بشار شرطا لذلك...) (الشرق الأوسط، 2017/7/13)،
وبهذا فإن فرنسا أصبحت تتقرب من أمريكا التي تُمسك بورقة النظام وبكثير من الفصائل
في سوريا، وهذا التقرب لكي يُصبح لها دور في سوريا تَحِنُّ إليه منذ زمن... وهي
تعلم أنها لن تشتم رائحة هذا الدور إلا بورقة مرور من أمريكا... وهكذا كان، فهذه
الحفاوة لترامب وعدم الإصرار على رحيل بشار هو لأنها تعلمُ أن أمريكا لا تُريد
رحيله الآن إلا بعد ترتيب عميلٍ بديلٍ للعميل الحالي، وأمريكا لم تعثر عليه بعد...
ومن ثم أصبحت فرنسا تتخلص من مواقفها السابقة بوصفها عقبات تعيق مشاركتها. وكذلك
أخذت نغمتها في (مكافحة الإرهاب) تسير وفق السُّلم الموسيقي نفسه الذي يصرح به
ترامب... لذلك قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع
نظيره الأمريكي دونالد ترامب: (إنه اتفق مع الرئيس ترامب على وضع خارطة طريق
لمرحلة ما بعد الحرب في العراق وسوريا. وأضاف ماكرون اليوم الخميس في العاصمة
الفرنسية أنه اتفق كذلك مع الرئيس الأمريكي على بذل كل الجهود لمكافحة
(الإرهاب)...) (روسيا اليوم، 2017/7/13).
- وأما البعد الثاني فهو مخاوف فرنسا من
تصاعد الدور الألماني، فإن هذه المخاوف قد جعلت فرنسا تناكف ألمانيا، ففي الوقت
الذي تشتد فيه انتقادات ألمانيا لترامب، فإن فرنسا تغازله! بل إنه فور انتهاء
زيارة الرئيس الأمريكي لباريس ذكر فرانسوا ديلاتر، مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة
(أن فريق الاتصال حول سوريا الذي تقترح باريس تشكيله، يجب أن يضم الدول الأعضاء
بمجلس الأمن الدولي والجهات الفاعلة الإقليمية. وأكد الدبلوماسي للصحفيين قبل عقد
جلسة مغلقة لمجلس الأمن، مساء الجمعة، أن على الفريق المذكور القيام بـ"نشر
السلام وإعداد خارطة الطريق". وأضاف المندوب الفرنسي أن الأهم الآن هو توحيد
كلمة المجتمع الدولي وطرح مبادرات جديدة دعما لجهود المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا
ستيفان دي ميستورا...) (روسيا اليوم، 2017/7/14م). وهكذا فإن فرنسا تطالب بتشكيل
"فريق الاتصال حول سوريا" على "أن يضم الدول الأعضاء بمجلس الأمن
الدولي والجهات الفاعلة الإقليمية"، و"تقديم مبادرة ملموسة للدول الخمس
للتعامل معها"، أي استثناء ألمانيا من هذا الدور على اعتبار أنها ليست في
مجلس الأمن ما يكشف الهواجس الفرنسية من صعود ألمانيا فلا تريد لها دوراً
دولياً...
6- وهكذا فإن اضطراب سياسة ترامب وبخاصة
زيارته لفرنسا قد أوجد تغييراً في السياسة الدولية بين أمريكا وبين الاتحاد
الأوروبي لدرجة أن اعتبرت بعض وسائل الإعلام أن تلك الزيارة كانت بمثابة بداية
نظام عالمي جديد: (اعتبرت صحيفة "تايمز" البريطانية زيارة الرئيس
الأمريكي، دونالد ترامب، للعاصمة الفرنسية باريس، بمثابة بداية نظام عالمي جديد،
حيث يقود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بلاده نحو علاقة جديدة مع أمريكا وألمانيا.
ورأت الصحيفة أن ماكرون يطرح نفسه كقائد أمر واقع للاتحاد الأوروبي بعد خروج
بريطانيا منه، فأوراق اللعب الأوروبية سيعاد توزيعها بعد خروج بريطانيا، بحسب
تعبير الصحيفة، وخلصت افتتاحية الصحيفة إلى أن الاتحاد الأوروبي قد بني بطريقة لا
تسمح لألمانيا ولا لفرنسا أن تنفرد كقوة مهيمنة وحيدة فيه، مشيرة إلى أن البلدين
تمكنا من تجاوز قرون من العداء بينهما وعملا معا لقيادة القارة الأوروبية بوجود
بريطانيا أو بدونها، لكنهما الآن يسبحان في اتجاهين متعاكسين، ففرنسا، تحت قيادة
ماكرون، تطمح إلى قيادة أوروبا، وألمانيا، تحت قيادة ميركل، تريد التركيز على
الحفاظ على أوروبا سليمة وكاملة...) (موقع صحيفة الوفد، 2017/7/14).
7- لكنَّ الذي نختم به هذا الجواب هو أن
أحلام فرنسا بولوج المسرح السوري، لن تمضي طويلاً، وستصطدم بحقيقة الموقف الأمريكي
الذي لا يقبل إلا التفرد بالأزمة السورية، وما بعض الليونة التي تبديها أمريكا
تجاه التوجهات الفرنسية لسوريا إلا لتغذية الصراع الفرنسي الألماني، بما يزيد من
التنافر داخل الاتحاد الأوروبي لتفكيكه...
وأما عن خشية فرنسا من صعود ألمانيا
فهي خشية حقيقية فإنَّ مقومات الدولة في ألمانيا تفوق مقومات الدولة في فرنسا وهذا
معروف تاريخياً وجغرافياً، وفي الوقت الذي تتخلص فيه ألمانيا من التزامها الحالي
(الأدبي) باتفاقيات الحرب العالمية الثانية التي تمنعها من الدور العسكري العالمي
المؤثر، وتلزمها بأن تركز فقط على النفوذ الصناعي الاقتصادي دون الدور الحربي العسكري،
في الوقت الذي تتخلص فيه من ذلك فإن المرجح أنها ستبرز في أوروبا من جديد متفوقةً
على فرنسا مهما تقربت من أمريكا.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل بأسهم بينهم
شديداً فينهار بنيانهم ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ
عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَشْعُرُونَ﴾ وتحل دولة الإسلام قريباً من دارهم، وتنشر الخير في ربوع العالم،
ويتحقق قوله ﷺ في الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ
قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا
بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ
إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ
عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ
الْكُفْرَ..» وأخرج نحوه البيهقي في السنن الكبرى وكذلك الحاكم في مستدركه.
وسيتحقق هذا بعون الله وتوفيقه، وما ذلك على الله بعزيز.
التاسع والعشرون من شوال 1438هـ
2017/07/23م
Saturday, July 22, 2017
Tuesday, July 18, 2017
Sunday, July 16, 2017
Saturday, July 15, 2017
Tuesday, July 11, 2017
Sunday, July 9, 2017
Saturday, July 8, 2017
Wednesday, July 5, 2017
Tuesday, July 4, 2017
Monday, July 3, 2017
Sunday, July 2, 2017
Saturday, July 1, 2017
Wednesday, June 28, 2017
Saturday, June 24, 2017
Thursday, June 22, 2017
Tuesday, June 20, 2017
Monday, June 19, 2017
Sunday, June 18, 2017
Thursday, June 15, 2017
Wednesday, June 14, 2017
Tuesday, June 13, 2017
Monday, June 12, 2017
Sunday, June 11, 2017
Saturday, June 10, 2017
Thursday, June 8, 2017
Wednesday, June 7, 2017
Tuesday, June 6, 2017
Monday, June 5, 2017
Sunday, June 4, 2017
Saturday, June 3, 2017
Thursday, June 1, 2017
Wednesday, May 31, 2017
Monday, May 29, 2017
Sunday, May 28, 2017
Saturday, May 27, 2017
Friday, May 26, 2017
Thursday, May 25, 2017
Tuesday, May 23, 2017
Monday, May 22, 2017
Sunday, May 21, 2017
Saturday, May 20, 2017
Thursday, May 18, 2017
Tuesday, May 16, 2017
Saturday, May 13, 2017
Friday, May 12, 2017
Monday, May 8, 2017
Sunday, May 7, 2017
Sunday, April 30, 2017
Saturday, April 29, 2017
Wednesday, April 26, 2017
Tuesday, April 25, 2017
Monday, April 24, 2017
جواب سؤال: التوتر المتصاعد بين أمريكا وكوريا الشمالية
جواب سؤال: التوتر المتصاعد بين أمريكا
وكوريا الشمالية
السؤال: يزداد التوتر تصاعداً بين أمريكا وكوريا الشمالية، وتجري أمريكا تدريبات عسكرية ضخمة في كوريا الجنوبية، وعلى وقع هذا التوتر أرسلت أمريكا مجموعة سفن حربية كبيرة بينها حاملة طائرات، فيما تحذر كوريا الشمالية من حرب نووية، ذكرت بي بي سي 15/4/2017 (حذرت كوريا الشمالية الولايات المتحدة من ارتكاب أية تصرفات استفزازية في المنطقة، قائلة إنها "مستعدة للرد بهجمات نووية".) فما حقيقة هذا التوتر؟ وهل يمكن أن تندلع حرب نووية بينهما؟ ثم ما هو موقف الصين والتوتر على حدودها خاصة وأن كوريا الشمالية محسوبة عليها؟
الجواب:
نعم، أخذ التوتر بالتصاعد بشكل كبير بين كوريا
الشمالية وأمريكا بعد تسلم الرئيس ترامب مهام منصبه في أمريكا، وأصبحت مسألة
التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية مناسبات لتهديد أمريكا لكوريا الشمالية، وقد
كان لافتاً أن تصاعد التوتر قد أخذ منحى أكثر حدةً بعد تولي إدارة ترامب في
أمريكا، وكأن تلك الإدارة جاءت وعلى رأس أولوياتها القضاء على ما تسميه
بـ"التهديد" الكوري الشمالي لمصالحها وحلفائها في آسيا، ومن المؤشرات
على ذلك:
1- إن مسألة كوريا الشمالية في الاستراتيجية الأمريكية هي ليست مسألة قوة عسكرية معادية، لها نظامها الاشتراكي ولا تخضع للنظام العالمي الأمريكي فحسب، فحجم كوريا الشمالية الصغير وقوتها كذلك لا يضعها على رأس الأولوية الأمريكية إلا من باب أنها جزء من كلٍّ اسمه الصين، فأمريكا تنظر بخطورة كبيرة لتصاعد نمو الصين، وتدرس كافة الخيارات لتحجيم القوة الصينية، ومن هذه الخيارات توتير الأجواء على حدود الصين ومنها كوريا الشمالية. والذي يؤكد ذلك أن أمريكا وعلى عهد أوباما قد نشطت في بناء التحالفات حول الصين، فكانت علاقاتها تزيد بشكل ملحوظ مع الهند واليابان وفيتنام والفلبين بالاضافة إلى كوريا الجنوبية، وكانت تريد من هذه التحالفات أن تكون طوقاً حول الصين، يحد من اندفاع السياسة الصينية لاستثمار بحر الصين الجنوبي، وتعزيز طرق تجارتها الكبيرة مع العالم، فكان توتير أمريكا للأجواء مع كوريا الشمالية واحداً من التوترات الأخرى التي تثيرها أمريكا حول الصين، مثل نزاع الحدود بين الصين والهند، ومسائل الجزر بين الصين من جهة واليابان والفلبين وفيتنام وماليزيا من جهة أخرى. ولأجل الصين فقد رفعت أمريكا الكثير من القيود عن العسكرية اليابانية لتكون في مواجهة الصين. واليوم عندما تضع أمريكا مسألة "التهديد" هذه على رأس أولوياتها، فذلك لأنها جزء من استراتيجيتها ضد الصين... إن الضغوط الأمريكية على كوريا الشمالية ليست جديدة حتى وإن أخذت الآن منحىً أكثر سخونة... فقد بدأت هذه الاستراتيجية بأسلوب المباحثات الضاغطة، فمحادثات أمريكا مع كوريا الشمالية قد أثمرت سنة 1994 بوقف برنامج بيونغ يانغ النووي، وسنة 2008 أثمرت المحادثات في إطار السداسية بإغلاق مفاعل يونجبون، وسنة 2012 أثمرت بتعليق كوريا الشمالية لبرنامجها النووي وسماحها بدخول المفتشين، وفي كل المرات كانت كوريا الشمالية تعود لتنشيط برنامجها النووي بسبب عدم وفاء أمريكا بالتزاماتها بتقديم مفاعلات الماء الخفيف كبدائل أو التزويد بالوقود، أو إهانتها في المساعدات المقدمة إليها، فكانت أمريكا هي التي تدفع ببيونغ يانغ إلى العودة إلى مربع التوتر... ثم تبنت أمريكا أسلوباً جديداً سنة 2012 تقوم بموجبه بنقل 60% من قوتها البحرية إلى الشرق الأقصى، وهي تقوم بذلك ليس ضد كوريا الشمالية الصغيرة، ولكن من أجل تحجيم القوة الصينية، وما التوتر الحاصل اليوم إلا استكمالاً لهذا التحجيم.
2- أعلن وزير الخارجية تيلرسون بأن سياسة الصبر الاستراتيجي الأمريكي حيال كوريا الشمالية قد انتهت (وقال تيلرسون خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الكوري الجنوبي يون بيونج-سيه في سول "دعوني أكن واضحا جدا. إن سياسة الصبر الاستراتيجي انتهت. نبحث مجموعة جديدة من الإجراءات الأمنية والدبلوماسية. جميع الاحتمالات مطروحة على الطاولة...") (رويترز، 17/3/2017)، ويعزز ذلك أيضاً أن أمريكا قد سادها بعض الاطمئنان بخصوص سوريا بعد إثبات قدرة تركيا على إجبار الثوار على تسليم مدينة حلب، أي أن انخفاض حدة الخطر للثورة السورية - كما تراها أمريكا - يمكّنها من الانتقال والتركيز على كوريا الشمالية، ومن ثم أصبحت مسألة كوريا الشمالية هي القضية رقم 1 على طاولة الرئيس ترامب، بعد أن كانت المسألة السورية تزاحم في الأولوية لدى إدارة أوباما، ولم تكن أمريكا قد فرغت بعد من إعداد خططها لمحيط الصين، فكانت تدرس خياراتها، وتجهز تحالفاتها. لذلك صار التوتير مع كوريا الشمالية هو النغمة المتعالية في واشنطن، وكان إعلان أمريكا نهاية سياسة الصبر الاستراتيجي مؤشراً لاحتمال جنوح واشنطن للحل العسكري مع كوريا الشمالية، وترتب على ذلك أن أعلنت أمريكا ردها على تجارب كوريا الشمالية العسكرية بخطوات وتصريحات عالية الاستفزاز، ومن ذلك:
أ- تهديد وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون لكوريا الشمالية بالأسلحة النووية (هدد وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، كوريا الشمالية باستخدام "الردع النووي" للدفاع عن كوريا الجنوبية واليابان، في أعنف رد على آخر تجربة صاروخية لبيونغ يانغ. وأصدر تيلرسون بيانا مشتركا مع نظيريه الكوري الجنوبي والياباني، أكد فيه أن الولايات المتحدة "عازمة" على الدفاع عن طوكيو وسيؤل حتى باستخدام "الردع النووي"...) (وكالة سبوتنيك الروسية، 17/2/2017).
ب- تهديد أمريكا بتزويد كوريا الجنوبية واليابان بالأسلحة النووية (وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، في وقت سابق من اليوم، أنه لا يستبعد حلاً ما، يمكن أن يؤدي إلى ظهور أسلحة نووية في كوريا الجنوبية واليابان. ولم يحدّد الوزير إن كان الحديث يدور عن نشر أسلحة نووية أمريكية في تلك المناطق، أم أن هذه الأسلحة ستكون من ملك كوريا الجنوبية واليابان...) (وكالة سبوتنيك الروسية، 18/3/2017).
ج- بلغة فيها من الاستفزاز ما فيها ذكَّر ترامب كوريا الشمالية بتعدد الأسلحة الأمريكية التي يمكن أن تضربها بها (وأوضح الرئيس الأمريكي أيضا أنه اتصل أمس بالرئيس الصيني شي جين بينغ وطلب منه في مكالمة استغرقت ساعة أن يوصل إلى مسامع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون أن الولايات المتحدة ليس لديها حاملات طائرات فقط بل وغواصات نووية". وقال بشدة: "لا يمكن السماح لكوريا الشمالية أن تمتلك أسلحة نووية. ليس لديهم حتى الآن وسائط لإيصال الأسلحة النووية، لكنها ستتوفر لديهم...") روسيا اليوم، 13/4/2017 نقلاً عن صحيفة "wall street journal" الأمريكية).
د- وبسبب تصاعد التوتر مؤخرا بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بعد إعلان بيونغ يانغ إجراء تجربة صاروخية جديدة والمخاوف من تحضيرها لتجربة نووية سادسة قامت الولايات المتحدة بإرسال قوة أمريكية كبيرة من مدمرات وحاملة طائرات بالقرب من كوريا الشمالية، (أكد متحدث باسم القيادة الأمريكية في المحيط الهادي أن حاملة الطائرات الأمريكية كارل فنسون وأسطولها الجوي بالإضافة لمدمرتين قاذفتين للصواريخ وطراد قاذف للصواريخ، اتجهت صوب شبه الجزيرة الكورية بعد أن كان من المفروض أن تتوقف في أستراليا، وبأنها وضعت تحت التصرف "كإجراء احتياطي". وأضاف المتحدث بأن التهديد الأول في المنطقة مصدره كوريا الشمالية بسبب برنامجها الصاروخي...) (فرانس24، 9/4/2017) وقد أكد نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس السبت 22/4/2017 هذا الأمر، فقد قال للصحافيين في سيدني: (إن حاملة الطائرات "ستكون في بحر اليابان في غضون أيام، قبل نهاية الشهر الحالي" مع مدمرتين وطراد قاذف للصواريخ، وتابع "على النظام الكوري الشمالي ألا يخطئ، فالولايات المتحدة لديها من الموارد والموظفين والوجود في هذه المنطقة من العالم ما يسمح لها بالحفاظ على مصالحنا وعلى أمن هذه المصالح وأمن حلفائنا". وتوعد بنس عندها بـ"رد ساحق وفعال" على أي هجوم قد تشنه كوريا الشمالية، مؤكدا أن هذا البلد يشكل "التهديد الأخطر على السلام والأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".) (وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب)، 22/4/2017).
ه- التدريبات العسكرية الكبيرة التي يجريها الجيش الأمريكي في كوريا الجنوبية، (بدأت قوات من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة تدريبات عسكرية واسعة النطاق يوم الأربعاء والتي تجرى سنويا لاختبار استعدادهما الدفاعي في مواجهة تهديدات كوريا الشمالية،... تأتي التدريبات في ظل تصاعد التوتر عقب أحدث تجربة لإطلاق صاروخ باليستي أجرتها كوريا الشمالية في 12 من شباط/فبراير...) (رويترز، 1/3/2017). وتجدر الإشارة إلى أن الجيش الأمريكي يمتلك قواعد عسكرية كبيرة في كوريا الجنوبية يرابط فيها 28500 جندي أمريكي، هم جزء من منظومة عسكرية في بلدان حوض الصين وجزر المحيط الهادي تضم أكثر من ربع مليون جندي، ناهيك عن القوة البحرية التي تجوب البحار.
3- وهكذا فإن ترامب يهدد كأن الحرب على الأبواب... غير أن هناك مؤشرات تدل على أن أمريكا لا تريد الحرب الآن، ومنها:
أ- هددت أمريكا وتوعدت وأظهرت جاهزيتها للرد القوي على أي تجربة جديدة لكوريا الشمالية، فردت كوريا الشمالية بعرض عسكري كبير 15/4/2017 ومشاهد بثها تلفزيون بيونغ يانغ أظهر قدرات كوريا الشمالية لإطلاق الصواريخ البالستية من الغواصات واحتمال كون بعض صواريخها عابرة للقارات، أي يمكنها أن تصل للأراضي الأمريكية، وعندها أضحت حقائق القوة هذه في كوريا الشمالية مأزقاً لأمريكا، فأمريكا تريد أن تخطط لحرب دون أن يلحق بها أذى معتبر، أو أن تطال الحرب أراضيها، ولما كشفت كوريا الشمالية حقيقة قوتها فقد أصبحت التهديدات الأمريكية في مأزق كبير لمصداقيتها، ولم تقف بيونغ يانغ عند حد ما أبرزته في العرض العسكري والبث التلفزيوني، وتحديداً قدرة غواصاتها على حمل الصواريخ البالستية وإطلاقها، بل ألحقت ذلك بتجربة صاروخية في 16/4/2017، وكأنها لصاروخ عابر للقارات، وهي وإن فشلت إلا أنها زادت من تحديها لأمريكا، فتبيَّن أن التهديدات الأمريكية لم تكن في محلها، وأن أمريكا غير قادرة الآن على تنفيذها، أي أن أمريكا ليست جاهزة بعد للحرب...
ب- حتى الآن لم يتم نشر نظام الدرع الصاروخي "ثاد" في كوريا الجنوبية وإنما يجري الإعداد لذلك مع أن الاتفاق عليه قد مضى عليه نحو سنة (أكدت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، سوزان تورنتون، أنه يتم نشر نظام الدرع الصاروخي "ثاد" في كوريا الجنوبية بحسب الخطة الموضوعة. والجدير بالذكر أن الأنظمة الصاروخية الأمريكية كان من المقرر نشرها في كوريا الجنوبية في حزيران/يونيو أو تموز/يوليو من العام الجاري، لكن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، على ما يبدو، قررتا الإسراع بالعملية على خلفية التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية. ويذكر، أن الاتفاق بين واشنطن وسيؤل على نشر أنظمة "ثاد" الصاروخية في كوريا الجنوبية تم التوصل إليه في تموز/يوليو عام 2016... وتثير الخطط لنشر صواريخ "ثاد" في شبه الجزيرة الكورية قلقا لدى روسيا والصين، فيما اعتبرت اليابان أنه من شأن ذلك أن يعزز أمن المنطقة...) (وكالة سبوتنيك الروسية، 17/4/2017).
ج- يستبعد أن تنخرط أمريكا في حرب ضد كوريا الشمالية قبل اكتمال المئة يوم المتفق عليها مع الرئيس الصيني لإنجاز اتفاق تجاري كبير يراجع مجمل العلاقات التجارية بين البلدين. فأمريكا تريد إظهار بعض الليونة بخصوص التجارة مع الصين، على عكس ما وعد به الرئيس ترامب أثناء حملته الانتخابية بفرض ضرائب بقيمة 45% على البضائع الصينية، أي تحاول إغراء الصين ودفعها لممارسة ضغط كبير على بيونغ يانغ، يكون مبرراً لها للتخلي عنها، وتركها وحيدة في مواجهة أمريكا وحلفائها، فهذا تُحقق به أمريكا غرضين:
الأول: لو نجح ذلك فإنه يحط من مكانة الصين بإظهار تخليها عن حلفائها، وفي إطار الحط من مكانة الصين أيضاً فإن تعليمات الرئيس ترامب بإجازة الضربة الصاروخية لسوريا 7/4/2017 قد جعلت أمريكا توقيتها أثناء استراحه عشاء بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في فلوريدا، ما اعتبره البعض إهانة للصين. فقد ذكرت العربية نت 8/4/2017 (ونقل الموقع عن الجنرال المتقاعد جاك كين، نائب رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي السابق، نقلا عن موقع فوكس نيوز قوله تعليقا على تصرف ترامب: "إنه يفعل ما يقوله... إنه يرسل رسالة إلى الصينيين") أي بخصوص عزمه شن الحرب ضد كوريا الشمالية، وأن على الصين الضغط على كوريا الشمالية والتخلي عنها، فإن فعلت كان التساهل معها ممكناً في الاتفاق التجاري...
الثاني: تريد أمريكا من محاولة إظهار الورقة الصينية ضد كوريا الشمالية بإكثار التصريحات الأمريكية حول توافق البلدين بخصوص الوضع الخطير في كوريا الشمالية، أن يكون ذلك تسريعاً لإنجاز الوفاق الأمريكي الروسي، فتجعل أمريكا الورقة الكورية ملعباً للسباق بين روسيا والصين! والإكثار من هذه التصريحات كان لافتاً للنظر... فقد قال مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الأسترالي مالكوم ترنبول: ("تحمسنا بالخطوات التي اتخذتها الصين حتى الآن"... وأشاد ترامب الأسبوع الماضي بالمساعي الصينية لكبح جماح التهديد الكوري الشمالي بعدما حذرت وسائل إعلام كورية شمالية الولايات المتحدة من ضربة وقائية مهولة...) (جريدة الحياة - سيدني رويترز، 22/4/2017).
د- تريد أمريكا أن تواجه كوريا الشمالية من موقع قوة يمكن أن يفت في عضض بيونغ يانغ، وهذا الموقع يتمثل بوضع روسيا عسكرياً بجانب أمريكا ضد بيونغ يانغ، وربما وضعها كرأس حربة كما في سوريا، إذ من شأن ذلك أن يربك كثيراً من حسابات كوريا الشمالية التي تظن أن روسيا ندٌّ لأمريكا. وخطة كيسنجر القديمة الجديدة هذه التي تمحورت حولها العقوبات الأمريكية على روسيا من إدارة أوباما، والإغراءات لروسيا من إدارة ترامب قد تأخرت أمريكا في إنجازها، وكانت المسألة الأهم، أي التحالف ضد كوريا الشمالية، في جدول أعمال وزير الخارجية الأمريكية تيلرسون في موسكو 11/4/2017، وهو ما أكدته لاحقاً مصادر لروسيا اليوم 16/4/2017 نقلاً عن صحيفة كوميرسانت الروسية ("أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فوفق نتائج محادثات موسكو، يمكنها اعتبار مناقشة المشكلة الكورية نجاحاً لها. وبحسب مصادر الصحيفة، كانت هذه المسألة من أولويات زيارة تيلرسون إلى موسكو.") وإذا ما اندلعت الحرب الكورية قبل الاتفاق الأمريكي-الروسي فإن أمريكا يمكن أن تتكبد خسائر كبيرة. كما أن أمريكا تريد أن تجعل الصين تتأثر بتصعيد التهديد لتتدخل في وجه كوريا الشمالية خشية وقوع الحرب النووية...
4- لكل ذلك فأمريكا ليست جاهزة للحرب في كوريا الشمالية الآن، وليس لديها حلول أخرى مناسبة، وهي بانتظار أن تقوم الصين بالضغط، وتحاول تسريع ذلك، فتتزايد تصريحاتها بأن أمريكا مستعدة لحل المشكلة بمفردها، أي بدون الصين، وكأنها تهدد الصين بوجوب الانصياع لأمريكا والانخراط في الضغط على بيونغ يانغ لنزع أسلحتها النووية. وأمريكا كذلك بانتظار اتفاقها مع روسيا لتوريطها في حل المعضلة الكورية. وأمام هذه الشروط غير المكتملة للحرب فقد أخذت الولايات المتحدة تتراجع عن تهديداتها، رغم أن كوريا الشمالية لم تتراجع عن تجاربها الصاروخية والنووية، وتستمر بالتهديد بحرب شاملة تطال الأراضي الأمريكية، وتظهر عدم خشيتها من الحرب النووية، ودليل تخفيف لهجة أمريكا ما ورد مؤخراً من تصريحات: (نقلت وكالة "أسيوشيتد برس" عن مصدر عسكري أمريكي طلب عدم الكشف عن هويته، أنه لا تتوفر لدى واشنطن في الوقت الراهن أي نية حقيقية لضرب كوريا الشمالية، حتى لو استمرت الأخيرة في تجاربها النووية والصاروخية. وأضاف المصدر، أن خطط واشنطن لن تتغير إلا حين إقدام بيونغ يانغ على استهداف كوريا الجنوبية أو اليابان أو الولايات المتحدة، وأن القيادة الأمريكية المعنية أجمعت في الوقت الراهن على التروي وعدم التصعيد...) (روسيا اليوم، 15/4/2017)، وعملت أمريكا على المزيد من تخفيف التوتر الذي أوجدته هي بتهورها، فقد (أعلنت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي بالوكالة لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، سوزان ثورنتون، أن بلادها لا تسعى للنزاع مع كوريا الشمالية أو تغيير نظامها. وقالت ثورنتون في مؤتمر صحفي: ("أعلنت الولايات المتحدة بوضوح بأنها تريد حل هذه المشكلة مع كوريا الشمالية من خلال نزع السلاح النووي سلميا في شبه الجزيرة الكورية، ونحن بالتأكيد لا نركز على النزاع أو تغيير النظام") (روسيا اليوم، 17/4/2017. ) واعتبر مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي (أنه لا يزال من الممكن نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية سلماً، بفضل انخراط واشنطن الجديد مع بكين، وذلك رغم المخاوف المتنامية من إجراء كوريا الشمالية تجربة نووية جديدة قريباً، وأضاف بنس نرى بحق أنه إذا مارست الصين والدول الحليفة في المنطقة هذا الضغط فإن هناك فرصة لتحقيق الهدف التاريخي بجعل شبه الجزيرة الكورية خالية من السلاح النووي بالطرق السلمية...) جريدة الحياة - سيدني رويترز، 22/4/2017).
5- هذه هي حقيقة الموقف والتوتر في شبه الجزيرة الكورية الناتج عن التخطيط والتهور الأمريكيين، وتلك كانت أطرافه، وهذا هو الخط العام... ومع ذلك فإن الموقف قابل للاشتعال في أي لحظة، والتلويح بالحرب وربما خوضها يبقى بانتظار أن تكتمل شروطها خاصة بالاتفاق المرتقب بين أمريكا وروسيا، وإذا ما اتفقا فإن احتمالات التصعيد ستزيد، وإذا تأخر اتفاقهما كثيراً أو لم يعقد أصلاً فإن الوضع في شبه الجزيرة الكورية سيبقى على حالة متوسطة من التوتر بهدف استمرار الضغط على بيونغ يانغ لنزع سلاحها النووي... أما إذا ما تهورت الإدارة الأمريكية في تعاملها مع كوريا الشمالية فإن ورطتها فيها ستكون فظيعة... وهذه الإدارة لا تملك من الحنكة ما يكفي لتنفيذ استراتيجيات محكمة، فقد (حذر وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا من مغبة إقدام واشنطن على ضربة استباقية لكوريا الشمالية مشيرا إلى أن أي خطوة في هذا الاتجاه سوف تشعل حربا نووية تزهق أرواح الملايين، "وهذا هو" السبب الذي منع رؤساء الولايات المتحدة السابقين عن الضغط على زناد السلاح وضرب كوريا الشمالية، وأضاف: "على الإدارة الأمريكية أن تكون حذرة في انتقاء عباراتها وتفادي التصعيد، وأن تتوخى الحذر وألا تتخذ أي قرارات متسرعة"، مشيرا إلى "ضرورة التروي في انتظار ما ستتمكن الصين من تحقيقه في اتجاه التهدئة، لا سيما وأن واشنطن قد منحتها مؤخرا فرصة التدخل علّها تؤثر...) (روسيا اليوم، 15/4/2017).
6- وأما حقيقة موقف الصين، فهي تعي تماماً أنها المقصودة بشكل غير مباشر من إشعال أمريكا للتوتر ناهيك عن الحرب، لذلك تقوم بما في وسعها لنزع فتيل الاشتعال، فتدعو إلى التسوية السلمية للنزاع، وترفض الحلول العسكرية، وتجاهر برفضها لعسكرة شبه الجزيرة الكورية، ومن ذلك رفضها القاطع لنصب منظمة "ثاد" الأمريكية المضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية، (وعبرت الخارجية الصينية عن معارضة بكين لنشر نظام ثاد، مطالبة في الوقت نفسه كوريا الشمالية والدول المجاورة لها بالامتناع عن ارتكاب أي أفعال تحريضية...) (الجزيرة نت، 17/4/2017)، ولكنها تتحسب للأسوأ، وتستعد هي الأخرى لاحتمال الحرب، وتحذر منها، فقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي "إذا اندلعت الحرب فلن يكون هناك منتصر" (بي بي سي 15/4/2017). وأما الاستعداد العسكري الصيني، فقد ذكرت روسيا اليوم 14/4/2017 (كشفت وكالةUnited Press International الأمريكية أن القوات المسلحة الصينية تلقت أوامر مباشرة من القيادة العامة للجيش بالحفاظ على حالة التأهب القصوى في 5 مناطق عسكرية. وأفادت الوكالة استنادا لمركز حقوق الإنسان والديمقراطية - غير الحكومي في هونغ كونغ بأن كتائب مدفعية في المناطق العسكرية شاندون وتشيتسزيان ويوننان أُمرت بالتحرك والتموضع على الشريط الحدودي مع كوريا الشمالية. ووفقا للمركز فإن حوالي 25 ألف عسكري من الجيش-47 المرابط غرب البلاد أُمروا بالاستعداد للتحرك مع آلياتهم الحربية إلى مسافات بعيدة باتجاه قاعدة حربية تقع بالقرب من الحدود الكورية الشمالية. كما أفادت وكالة إخبارية يابانية بأن السبب الكامن وراء تحريك قوات صينية نحو الحدود الكورية الشمالية هو قلق بكين من احتمال قيام واشنطن بضربة استباقية لـبيونغ يانغ على غرار سيناريو الهجوم الصاروخي الأمريكي الذي شنته على قاعدة الشعيرات العسكرية في سوريا.).
هذا ما نرجحه في هذه المسألة وفق تحليل الوقائع الجارية على الأقل خلال المدى المنظور، بل دون ذلك، ونقول هذا لأن العالم يتحكم فيه وحوش في ثياب بشر ليس لدماء الناس عندهم وزن... فإن كانت مصالحهم الدموية تقتضي ذلك فإنهم يسارعون إلى سفك الدماء أنهاراً بأسلحتهم النووية وغير النووية كما فعلوا ويفعلون... إن العالم لن يشعر بالأمن والأمان إلا إذا زالت الرأسمالية وغيرها من النظم الوضعية ولم تعد تتحكم في العالم، ومن ثم أصبح نظام الحق والعدل، الخلافة الراشدة، نظام رب العالمين، أصبح هو المهيمن في هذا العالم، فينشر فيه الخير وهناء العيش والاطمئنان، فالخالق هو الذي يعلم ما يصلح مخلوقاته ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.
السادس والعشرون من رجب 1438هـ
الموافق 23/4/2017م
1- إن مسألة كوريا الشمالية في الاستراتيجية الأمريكية هي ليست مسألة قوة عسكرية معادية، لها نظامها الاشتراكي ولا تخضع للنظام العالمي الأمريكي فحسب، فحجم كوريا الشمالية الصغير وقوتها كذلك لا يضعها على رأس الأولوية الأمريكية إلا من باب أنها جزء من كلٍّ اسمه الصين، فأمريكا تنظر بخطورة كبيرة لتصاعد نمو الصين، وتدرس كافة الخيارات لتحجيم القوة الصينية، ومن هذه الخيارات توتير الأجواء على حدود الصين ومنها كوريا الشمالية. والذي يؤكد ذلك أن أمريكا وعلى عهد أوباما قد نشطت في بناء التحالفات حول الصين، فكانت علاقاتها تزيد بشكل ملحوظ مع الهند واليابان وفيتنام والفلبين بالاضافة إلى كوريا الجنوبية، وكانت تريد من هذه التحالفات أن تكون طوقاً حول الصين، يحد من اندفاع السياسة الصينية لاستثمار بحر الصين الجنوبي، وتعزيز طرق تجارتها الكبيرة مع العالم، فكان توتير أمريكا للأجواء مع كوريا الشمالية واحداً من التوترات الأخرى التي تثيرها أمريكا حول الصين، مثل نزاع الحدود بين الصين والهند، ومسائل الجزر بين الصين من جهة واليابان والفلبين وفيتنام وماليزيا من جهة أخرى. ولأجل الصين فقد رفعت أمريكا الكثير من القيود عن العسكرية اليابانية لتكون في مواجهة الصين. واليوم عندما تضع أمريكا مسألة "التهديد" هذه على رأس أولوياتها، فذلك لأنها جزء من استراتيجيتها ضد الصين... إن الضغوط الأمريكية على كوريا الشمالية ليست جديدة حتى وإن أخذت الآن منحىً أكثر سخونة... فقد بدأت هذه الاستراتيجية بأسلوب المباحثات الضاغطة، فمحادثات أمريكا مع كوريا الشمالية قد أثمرت سنة 1994 بوقف برنامج بيونغ يانغ النووي، وسنة 2008 أثمرت المحادثات في إطار السداسية بإغلاق مفاعل يونجبون، وسنة 2012 أثمرت بتعليق كوريا الشمالية لبرنامجها النووي وسماحها بدخول المفتشين، وفي كل المرات كانت كوريا الشمالية تعود لتنشيط برنامجها النووي بسبب عدم وفاء أمريكا بالتزاماتها بتقديم مفاعلات الماء الخفيف كبدائل أو التزويد بالوقود، أو إهانتها في المساعدات المقدمة إليها، فكانت أمريكا هي التي تدفع ببيونغ يانغ إلى العودة إلى مربع التوتر... ثم تبنت أمريكا أسلوباً جديداً سنة 2012 تقوم بموجبه بنقل 60% من قوتها البحرية إلى الشرق الأقصى، وهي تقوم بذلك ليس ضد كوريا الشمالية الصغيرة، ولكن من أجل تحجيم القوة الصينية، وما التوتر الحاصل اليوم إلا استكمالاً لهذا التحجيم.
2- أعلن وزير الخارجية تيلرسون بأن سياسة الصبر الاستراتيجي الأمريكي حيال كوريا الشمالية قد انتهت (وقال تيلرسون خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الكوري الجنوبي يون بيونج-سيه في سول "دعوني أكن واضحا جدا. إن سياسة الصبر الاستراتيجي انتهت. نبحث مجموعة جديدة من الإجراءات الأمنية والدبلوماسية. جميع الاحتمالات مطروحة على الطاولة...") (رويترز، 17/3/2017)، ويعزز ذلك أيضاً أن أمريكا قد سادها بعض الاطمئنان بخصوص سوريا بعد إثبات قدرة تركيا على إجبار الثوار على تسليم مدينة حلب، أي أن انخفاض حدة الخطر للثورة السورية - كما تراها أمريكا - يمكّنها من الانتقال والتركيز على كوريا الشمالية، ومن ثم أصبحت مسألة كوريا الشمالية هي القضية رقم 1 على طاولة الرئيس ترامب، بعد أن كانت المسألة السورية تزاحم في الأولوية لدى إدارة أوباما، ولم تكن أمريكا قد فرغت بعد من إعداد خططها لمحيط الصين، فكانت تدرس خياراتها، وتجهز تحالفاتها. لذلك صار التوتير مع كوريا الشمالية هو النغمة المتعالية في واشنطن، وكان إعلان أمريكا نهاية سياسة الصبر الاستراتيجي مؤشراً لاحتمال جنوح واشنطن للحل العسكري مع كوريا الشمالية، وترتب على ذلك أن أعلنت أمريكا ردها على تجارب كوريا الشمالية العسكرية بخطوات وتصريحات عالية الاستفزاز، ومن ذلك:
أ- تهديد وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون لكوريا الشمالية بالأسلحة النووية (هدد وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، كوريا الشمالية باستخدام "الردع النووي" للدفاع عن كوريا الجنوبية واليابان، في أعنف رد على آخر تجربة صاروخية لبيونغ يانغ. وأصدر تيلرسون بيانا مشتركا مع نظيريه الكوري الجنوبي والياباني، أكد فيه أن الولايات المتحدة "عازمة" على الدفاع عن طوكيو وسيؤل حتى باستخدام "الردع النووي"...) (وكالة سبوتنيك الروسية، 17/2/2017).
ب- تهديد أمريكا بتزويد كوريا الجنوبية واليابان بالأسلحة النووية (وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، في وقت سابق من اليوم، أنه لا يستبعد حلاً ما، يمكن أن يؤدي إلى ظهور أسلحة نووية في كوريا الجنوبية واليابان. ولم يحدّد الوزير إن كان الحديث يدور عن نشر أسلحة نووية أمريكية في تلك المناطق، أم أن هذه الأسلحة ستكون من ملك كوريا الجنوبية واليابان...) (وكالة سبوتنيك الروسية، 18/3/2017).
ج- بلغة فيها من الاستفزاز ما فيها ذكَّر ترامب كوريا الشمالية بتعدد الأسلحة الأمريكية التي يمكن أن تضربها بها (وأوضح الرئيس الأمريكي أيضا أنه اتصل أمس بالرئيس الصيني شي جين بينغ وطلب منه في مكالمة استغرقت ساعة أن يوصل إلى مسامع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون أن الولايات المتحدة ليس لديها حاملات طائرات فقط بل وغواصات نووية". وقال بشدة: "لا يمكن السماح لكوريا الشمالية أن تمتلك أسلحة نووية. ليس لديهم حتى الآن وسائط لإيصال الأسلحة النووية، لكنها ستتوفر لديهم...") روسيا اليوم، 13/4/2017 نقلاً عن صحيفة "wall street journal" الأمريكية).
د- وبسبب تصاعد التوتر مؤخرا بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بعد إعلان بيونغ يانغ إجراء تجربة صاروخية جديدة والمخاوف من تحضيرها لتجربة نووية سادسة قامت الولايات المتحدة بإرسال قوة أمريكية كبيرة من مدمرات وحاملة طائرات بالقرب من كوريا الشمالية، (أكد متحدث باسم القيادة الأمريكية في المحيط الهادي أن حاملة الطائرات الأمريكية كارل فنسون وأسطولها الجوي بالإضافة لمدمرتين قاذفتين للصواريخ وطراد قاذف للصواريخ، اتجهت صوب شبه الجزيرة الكورية بعد أن كان من المفروض أن تتوقف في أستراليا، وبأنها وضعت تحت التصرف "كإجراء احتياطي". وأضاف المتحدث بأن التهديد الأول في المنطقة مصدره كوريا الشمالية بسبب برنامجها الصاروخي...) (فرانس24، 9/4/2017) وقد أكد نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس السبت 22/4/2017 هذا الأمر، فقد قال للصحافيين في سيدني: (إن حاملة الطائرات "ستكون في بحر اليابان في غضون أيام، قبل نهاية الشهر الحالي" مع مدمرتين وطراد قاذف للصواريخ، وتابع "على النظام الكوري الشمالي ألا يخطئ، فالولايات المتحدة لديها من الموارد والموظفين والوجود في هذه المنطقة من العالم ما يسمح لها بالحفاظ على مصالحنا وعلى أمن هذه المصالح وأمن حلفائنا". وتوعد بنس عندها بـ"رد ساحق وفعال" على أي هجوم قد تشنه كوريا الشمالية، مؤكدا أن هذا البلد يشكل "التهديد الأخطر على السلام والأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".) (وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب)، 22/4/2017).
ه- التدريبات العسكرية الكبيرة التي يجريها الجيش الأمريكي في كوريا الجنوبية، (بدأت قوات من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة تدريبات عسكرية واسعة النطاق يوم الأربعاء والتي تجرى سنويا لاختبار استعدادهما الدفاعي في مواجهة تهديدات كوريا الشمالية،... تأتي التدريبات في ظل تصاعد التوتر عقب أحدث تجربة لإطلاق صاروخ باليستي أجرتها كوريا الشمالية في 12 من شباط/فبراير...) (رويترز، 1/3/2017). وتجدر الإشارة إلى أن الجيش الأمريكي يمتلك قواعد عسكرية كبيرة في كوريا الجنوبية يرابط فيها 28500 جندي أمريكي، هم جزء من منظومة عسكرية في بلدان حوض الصين وجزر المحيط الهادي تضم أكثر من ربع مليون جندي، ناهيك عن القوة البحرية التي تجوب البحار.
3- وهكذا فإن ترامب يهدد كأن الحرب على الأبواب... غير أن هناك مؤشرات تدل على أن أمريكا لا تريد الحرب الآن، ومنها:
أ- هددت أمريكا وتوعدت وأظهرت جاهزيتها للرد القوي على أي تجربة جديدة لكوريا الشمالية، فردت كوريا الشمالية بعرض عسكري كبير 15/4/2017 ومشاهد بثها تلفزيون بيونغ يانغ أظهر قدرات كوريا الشمالية لإطلاق الصواريخ البالستية من الغواصات واحتمال كون بعض صواريخها عابرة للقارات، أي يمكنها أن تصل للأراضي الأمريكية، وعندها أضحت حقائق القوة هذه في كوريا الشمالية مأزقاً لأمريكا، فأمريكا تريد أن تخطط لحرب دون أن يلحق بها أذى معتبر، أو أن تطال الحرب أراضيها، ولما كشفت كوريا الشمالية حقيقة قوتها فقد أصبحت التهديدات الأمريكية في مأزق كبير لمصداقيتها، ولم تقف بيونغ يانغ عند حد ما أبرزته في العرض العسكري والبث التلفزيوني، وتحديداً قدرة غواصاتها على حمل الصواريخ البالستية وإطلاقها، بل ألحقت ذلك بتجربة صاروخية في 16/4/2017، وكأنها لصاروخ عابر للقارات، وهي وإن فشلت إلا أنها زادت من تحديها لأمريكا، فتبيَّن أن التهديدات الأمريكية لم تكن في محلها، وأن أمريكا غير قادرة الآن على تنفيذها، أي أن أمريكا ليست جاهزة بعد للحرب...
ب- حتى الآن لم يتم نشر نظام الدرع الصاروخي "ثاد" في كوريا الجنوبية وإنما يجري الإعداد لذلك مع أن الاتفاق عليه قد مضى عليه نحو سنة (أكدت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، سوزان تورنتون، أنه يتم نشر نظام الدرع الصاروخي "ثاد" في كوريا الجنوبية بحسب الخطة الموضوعة. والجدير بالذكر أن الأنظمة الصاروخية الأمريكية كان من المقرر نشرها في كوريا الجنوبية في حزيران/يونيو أو تموز/يوليو من العام الجاري، لكن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، على ما يبدو، قررتا الإسراع بالعملية على خلفية التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية. ويذكر، أن الاتفاق بين واشنطن وسيؤل على نشر أنظمة "ثاد" الصاروخية في كوريا الجنوبية تم التوصل إليه في تموز/يوليو عام 2016... وتثير الخطط لنشر صواريخ "ثاد" في شبه الجزيرة الكورية قلقا لدى روسيا والصين، فيما اعتبرت اليابان أنه من شأن ذلك أن يعزز أمن المنطقة...) (وكالة سبوتنيك الروسية، 17/4/2017).
ج- يستبعد أن تنخرط أمريكا في حرب ضد كوريا الشمالية قبل اكتمال المئة يوم المتفق عليها مع الرئيس الصيني لإنجاز اتفاق تجاري كبير يراجع مجمل العلاقات التجارية بين البلدين. فأمريكا تريد إظهار بعض الليونة بخصوص التجارة مع الصين، على عكس ما وعد به الرئيس ترامب أثناء حملته الانتخابية بفرض ضرائب بقيمة 45% على البضائع الصينية، أي تحاول إغراء الصين ودفعها لممارسة ضغط كبير على بيونغ يانغ، يكون مبرراً لها للتخلي عنها، وتركها وحيدة في مواجهة أمريكا وحلفائها، فهذا تُحقق به أمريكا غرضين:
الأول: لو نجح ذلك فإنه يحط من مكانة الصين بإظهار تخليها عن حلفائها، وفي إطار الحط من مكانة الصين أيضاً فإن تعليمات الرئيس ترامب بإجازة الضربة الصاروخية لسوريا 7/4/2017 قد جعلت أمريكا توقيتها أثناء استراحه عشاء بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في فلوريدا، ما اعتبره البعض إهانة للصين. فقد ذكرت العربية نت 8/4/2017 (ونقل الموقع عن الجنرال المتقاعد جاك كين، نائب رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي السابق، نقلا عن موقع فوكس نيوز قوله تعليقا على تصرف ترامب: "إنه يفعل ما يقوله... إنه يرسل رسالة إلى الصينيين") أي بخصوص عزمه شن الحرب ضد كوريا الشمالية، وأن على الصين الضغط على كوريا الشمالية والتخلي عنها، فإن فعلت كان التساهل معها ممكناً في الاتفاق التجاري...
الثاني: تريد أمريكا من محاولة إظهار الورقة الصينية ضد كوريا الشمالية بإكثار التصريحات الأمريكية حول توافق البلدين بخصوص الوضع الخطير في كوريا الشمالية، أن يكون ذلك تسريعاً لإنجاز الوفاق الأمريكي الروسي، فتجعل أمريكا الورقة الكورية ملعباً للسباق بين روسيا والصين! والإكثار من هذه التصريحات كان لافتاً للنظر... فقد قال مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الأسترالي مالكوم ترنبول: ("تحمسنا بالخطوات التي اتخذتها الصين حتى الآن"... وأشاد ترامب الأسبوع الماضي بالمساعي الصينية لكبح جماح التهديد الكوري الشمالي بعدما حذرت وسائل إعلام كورية شمالية الولايات المتحدة من ضربة وقائية مهولة...) (جريدة الحياة - سيدني رويترز، 22/4/2017).
د- تريد أمريكا أن تواجه كوريا الشمالية من موقع قوة يمكن أن يفت في عضض بيونغ يانغ، وهذا الموقع يتمثل بوضع روسيا عسكرياً بجانب أمريكا ضد بيونغ يانغ، وربما وضعها كرأس حربة كما في سوريا، إذ من شأن ذلك أن يربك كثيراً من حسابات كوريا الشمالية التي تظن أن روسيا ندٌّ لأمريكا. وخطة كيسنجر القديمة الجديدة هذه التي تمحورت حولها العقوبات الأمريكية على روسيا من إدارة أوباما، والإغراءات لروسيا من إدارة ترامب قد تأخرت أمريكا في إنجازها، وكانت المسألة الأهم، أي التحالف ضد كوريا الشمالية، في جدول أعمال وزير الخارجية الأمريكية تيلرسون في موسكو 11/4/2017، وهو ما أكدته لاحقاً مصادر لروسيا اليوم 16/4/2017 نقلاً عن صحيفة كوميرسانت الروسية ("أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فوفق نتائج محادثات موسكو، يمكنها اعتبار مناقشة المشكلة الكورية نجاحاً لها. وبحسب مصادر الصحيفة، كانت هذه المسألة من أولويات زيارة تيلرسون إلى موسكو.") وإذا ما اندلعت الحرب الكورية قبل الاتفاق الأمريكي-الروسي فإن أمريكا يمكن أن تتكبد خسائر كبيرة. كما أن أمريكا تريد أن تجعل الصين تتأثر بتصعيد التهديد لتتدخل في وجه كوريا الشمالية خشية وقوع الحرب النووية...
4- لكل ذلك فأمريكا ليست جاهزة للحرب في كوريا الشمالية الآن، وليس لديها حلول أخرى مناسبة، وهي بانتظار أن تقوم الصين بالضغط، وتحاول تسريع ذلك، فتتزايد تصريحاتها بأن أمريكا مستعدة لحل المشكلة بمفردها، أي بدون الصين، وكأنها تهدد الصين بوجوب الانصياع لأمريكا والانخراط في الضغط على بيونغ يانغ لنزع أسلحتها النووية. وأمريكا كذلك بانتظار اتفاقها مع روسيا لتوريطها في حل المعضلة الكورية. وأمام هذه الشروط غير المكتملة للحرب فقد أخذت الولايات المتحدة تتراجع عن تهديداتها، رغم أن كوريا الشمالية لم تتراجع عن تجاربها الصاروخية والنووية، وتستمر بالتهديد بحرب شاملة تطال الأراضي الأمريكية، وتظهر عدم خشيتها من الحرب النووية، ودليل تخفيف لهجة أمريكا ما ورد مؤخراً من تصريحات: (نقلت وكالة "أسيوشيتد برس" عن مصدر عسكري أمريكي طلب عدم الكشف عن هويته، أنه لا تتوفر لدى واشنطن في الوقت الراهن أي نية حقيقية لضرب كوريا الشمالية، حتى لو استمرت الأخيرة في تجاربها النووية والصاروخية. وأضاف المصدر، أن خطط واشنطن لن تتغير إلا حين إقدام بيونغ يانغ على استهداف كوريا الجنوبية أو اليابان أو الولايات المتحدة، وأن القيادة الأمريكية المعنية أجمعت في الوقت الراهن على التروي وعدم التصعيد...) (روسيا اليوم، 15/4/2017)، وعملت أمريكا على المزيد من تخفيف التوتر الذي أوجدته هي بتهورها، فقد (أعلنت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي بالوكالة لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، سوزان ثورنتون، أن بلادها لا تسعى للنزاع مع كوريا الشمالية أو تغيير نظامها. وقالت ثورنتون في مؤتمر صحفي: ("أعلنت الولايات المتحدة بوضوح بأنها تريد حل هذه المشكلة مع كوريا الشمالية من خلال نزع السلاح النووي سلميا في شبه الجزيرة الكورية، ونحن بالتأكيد لا نركز على النزاع أو تغيير النظام") (روسيا اليوم، 17/4/2017. ) واعتبر مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي (أنه لا يزال من الممكن نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية سلماً، بفضل انخراط واشنطن الجديد مع بكين، وذلك رغم المخاوف المتنامية من إجراء كوريا الشمالية تجربة نووية جديدة قريباً، وأضاف بنس نرى بحق أنه إذا مارست الصين والدول الحليفة في المنطقة هذا الضغط فإن هناك فرصة لتحقيق الهدف التاريخي بجعل شبه الجزيرة الكورية خالية من السلاح النووي بالطرق السلمية...) جريدة الحياة - سيدني رويترز، 22/4/2017).
5- هذه هي حقيقة الموقف والتوتر في شبه الجزيرة الكورية الناتج عن التخطيط والتهور الأمريكيين، وتلك كانت أطرافه، وهذا هو الخط العام... ومع ذلك فإن الموقف قابل للاشتعال في أي لحظة، والتلويح بالحرب وربما خوضها يبقى بانتظار أن تكتمل شروطها خاصة بالاتفاق المرتقب بين أمريكا وروسيا، وإذا ما اتفقا فإن احتمالات التصعيد ستزيد، وإذا تأخر اتفاقهما كثيراً أو لم يعقد أصلاً فإن الوضع في شبه الجزيرة الكورية سيبقى على حالة متوسطة من التوتر بهدف استمرار الضغط على بيونغ يانغ لنزع سلاحها النووي... أما إذا ما تهورت الإدارة الأمريكية في تعاملها مع كوريا الشمالية فإن ورطتها فيها ستكون فظيعة... وهذه الإدارة لا تملك من الحنكة ما يكفي لتنفيذ استراتيجيات محكمة، فقد (حذر وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا من مغبة إقدام واشنطن على ضربة استباقية لكوريا الشمالية مشيرا إلى أن أي خطوة في هذا الاتجاه سوف تشعل حربا نووية تزهق أرواح الملايين، "وهذا هو" السبب الذي منع رؤساء الولايات المتحدة السابقين عن الضغط على زناد السلاح وضرب كوريا الشمالية، وأضاف: "على الإدارة الأمريكية أن تكون حذرة في انتقاء عباراتها وتفادي التصعيد، وأن تتوخى الحذر وألا تتخذ أي قرارات متسرعة"، مشيرا إلى "ضرورة التروي في انتظار ما ستتمكن الصين من تحقيقه في اتجاه التهدئة، لا سيما وأن واشنطن قد منحتها مؤخرا فرصة التدخل علّها تؤثر...) (روسيا اليوم، 15/4/2017).
6- وأما حقيقة موقف الصين، فهي تعي تماماً أنها المقصودة بشكل غير مباشر من إشعال أمريكا للتوتر ناهيك عن الحرب، لذلك تقوم بما في وسعها لنزع فتيل الاشتعال، فتدعو إلى التسوية السلمية للنزاع، وترفض الحلول العسكرية، وتجاهر برفضها لعسكرة شبه الجزيرة الكورية، ومن ذلك رفضها القاطع لنصب منظمة "ثاد" الأمريكية المضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية، (وعبرت الخارجية الصينية عن معارضة بكين لنشر نظام ثاد، مطالبة في الوقت نفسه كوريا الشمالية والدول المجاورة لها بالامتناع عن ارتكاب أي أفعال تحريضية...) (الجزيرة نت، 17/4/2017)، ولكنها تتحسب للأسوأ، وتستعد هي الأخرى لاحتمال الحرب، وتحذر منها، فقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي "إذا اندلعت الحرب فلن يكون هناك منتصر" (بي بي سي 15/4/2017). وأما الاستعداد العسكري الصيني، فقد ذكرت روسيا اليوم 14/4/2017 (كشفت وكالةUnited Press International الأمريكية أن القوات المسلحة الصينية تلقت أوامر مباشرة من القيادة العامة للجيش بالحفاظ على حالة التأهب القصوى في 5 مناطق عسكرية. وأفادت الوكالة استنادا لمركز حقوق الإنسان والديمقراطية - غير الحكومي في هونغ كونغ بأن كتائب مدفعية في المناطق العسكرية شاندون وتشيتسزيان ويوننان أُمرت بالتحرك والتموضع على الشريط الحدودي مع كوريا الشمالية. ووفقا للمركز فإن حوالي 25 ألف عسكري من الجيش-47 المرابط غرب البلاد أُمروا بالاستعداد للتحرك مع آلياتهم الحربية إلى مسافات بعيدة باتجاه قاعدة حربية تقع بالقرب من الحدود الكورية الشمالية. كما أفادت وكالة إخبارية يابانية بأن السبب الكامن وراء تحريك قوات صينية نحو الحدود الكورية الشمالية هو قلق بكين من احتمال قيام واشنطن بضربة استباقية لـبيونغ يانغ على غرار سيناريو الهجوم الصاروخي الأمريكي الذي شنته على قاعدة الشعيرات العسكرية في سوريا.).
هذا ما نرجحه في هذه المسألة وفق تحليل الوقائع الجارية على الأقل خلال المدى المنظور، بل دون ذلك، ونقول هذا لأن العالم يتحكم فيه وحوش في ثياب بشر ليس لدماء الناس عندهم وزن... فإن كانت مصالحهم الدموية تقتضي ذلك فإنهم يسارعون إلى سفك الدماء أنهاراً بأسلحتهم النووية وغير النووية كما فعلوا ويفعلون... إن العالم لن يشعر بالأمن والأمان إلا إذا زالت الرأسمالية وغيرها من النظم الوضعية ولم تعد تتحكم في العالم، ومن ثم أصبح نظام الحق والعدل، الخلافة الراشدة، نظام رب العالمين، أصبح هو المهيمن في هذا العالم، فينشر فيه الخير وهناء العيش والاطمئنان، فالخالق هو الذي يعلم ما يصلح مخلوقاته ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.
السادس والعشرون من رجب 1438هـ
الموافق 23/4/2017م
Subscribe to:
Comments (Atom)